عبدالنبي العكري -
لماذا يستمر التعذيب في البحرين رغم تبدل العهود والأزمان؟ كان هذا هو
السؤال المطروح في ندوة في مجلس اللوردات بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب في
يونيو 2014، وكُرّست للبحرين، حيث دُعي إليها اللورد إيريك ايفبري، وشارك فيها عدد
من النشطاء الحقوقيين البحرينيين والإنجليز
.
اللورد ايفبري افتتح الندوة بالتذكير بالمناسبة وبالأوضاع الخطيرة لحقوق
الإنسان في البحرين، بما في ذلك استشراء ظاهرة التعذيب، والذي يطال الجميع بما في ذلك
الأطفال، وذكر اللورد ايفبري بعض حالات أطفال البحرين خلف القضبان وعرضة للتعذيب
.
المتحدث الثاني المحامي محمد التاجر منسق مرصد البحرين لحقوق الإنسان،
والذي عرض من خلال تجربته الشخصية ما تعرض له من تعذيب وما شاهده أو سمعه من تعذيب
خلال احتجازه في اثنين من السجون، وعلّل التاجر استمرار التعذيب في البحرين بأنه نتيجة
بنية محكمة لأجهزة الدولة وما يتفرع منها من أجهزة مستحدثة مثل وحدة التحقيق المستقلة
بالنيابة العامة، والمفتش العام للشرطة ولجنة التظلمات ولجنة تفتيش السجون
.
المتحدث الثالث كان رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب، الذي خاطب
الندوة عبر السكايب من باريس حيث لم يمنح «فيزا» للمملكة المتحدة، وتكلّم عن تجربته
في المعتقل وتعرّضه لإساءة المعاملة، وكونه شاهداً على تعذيب 7 أطفال في سجن جو على
يد سجّانيهم. وقد وثّق ذلك وقدّم شكوى عبر محاميه إلى الجهات المعنية، لكن لم تتخذ
أية إجراءات بحق المتورطين
.
كما تحدث رجب عن أن السبب الرئيسي وراء سجنه لعامين هو حثه على التظاهر
والاحتجاج السلمي، وكشفه للتعذيب والمعذبين، وقد حيّا المشاركون بحرارة الحقوقي نبيل
رجب
.
المتحدث الرابع هو كاتب المقال، وهو منسق مرصد البحرين لحقوق الإنسان،
حيث تحدث عن عقيدة وبنية الأجهزة التي تعتبر التعذيب شيئاً طبيعياً، وقد سبق أن عبّر
عن ذلك البروفسور شريف بسيوني في تقريره الشهير الصادر عن «اللجنة البحرينية المستقلة
لتقصي الحقائق»، بإشارته إلى أن التعذيب يُستخدم للانتقام والترهيب وانتزاع الاعترافات
لتجريم المتهمين
.
تعتبر الأجهزة الحالية هي الأكثر ثباتاً واستمرارية منذ عهد الحماية البريطانية
حتى بداية العهد الجديد في 2000. ورغم تبشيرنا بالإصلاح إلا أن عقيدة الأجهزة وممارساتها
لم تتغيّر كثيراً واستمرت في الغموض والسرية رغم تغيير بعض المسميات. وهناك من يشير
إلى ما تحمله من عداء مبطن لمكوّن أساسي، وللمعارضة والمجتمع المدني المستقل بشكل خاص
.
ومن المؤسف وجود عقيدة متأصلة بمعاداة المواطن الحر أو المعارض، وتكون
مهمتها إخضاع المعارضة، بل واستئصالها إذا تطلب الأمر، باستخدام كل الوسائل بما في
ذلك القمع الشامل، والتعذيب الممنهج، مع وجود طمأنينة بعدم تعرضها للحساب
.
لذا فإننا لا نتوقع الحد من ظاهرة التعذيب أو محاسبة المتورطين في التعذيب،
ولكن يبقى التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم
.
المتحدث الخامس في الندوة هو كيفن من منظمة ردرس
(Redress)
، التي تهتم بضحايا
التعذيب والعمل على إنصافهم. وقد تحدّث عن الإرث البريطاني في أجهزة المخابرات الخليجية،
وأسف لعدم تمكن ردرس وضحايا التعذيب من استدعاء المتهمين بالتعذيب للمثول أمام العدالة
في المملكة المتحدة، وذلك عائد لازدواجية المعايير للحكومة البريطانية وسياستها الخارجية
وأجهزتها الأمنية والقضائية. واستشهد كيفن بما جاء في تقرير وزارة الخارجية البريطانية
في تقريرها لعام 2013 عن حقوق الإنسان في بلدان العالم،
وخصوصاً ما جاء بشأن البحرين (ص 55) بوصفها «بلداً تشهد تقدماً في الإصلاح
وأن هناك خطوات جدية اتخذت تطبيقاً لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصى الحقائق»،
وهو ما يتناقض مع تقرير لجنة العلاقات الخارجية بمجلس العموم، بعد مناقشة برلمانية
واسعة للوضع في البحرين، والذي توصل إلى أن الوضع الحقوقي خطير، وأن توصيات لجنة بسيوني
وتوصيات مجلس حقوق الإنسان، لم تنفذ جوهرياً، مطالباً الحكومة البريطانية بتصنيف البحرين
أنها في أزمة حقوقية خطيرة، وبالتالي استخدام علاقاتها الخاصة لحث حكومة البحرين لتغيير
سياستها ومعالجة الوضع
.
كيفن أشاد بجهود الخارجية البريطانية في توفير التدريب لدول صديقة على
الوقاية من التعذيب ورصده، لكنه انتقد سياستها في البحرين، حيث يستخدم هذا التدريب
للتغطية على التعذيب ومنتهكي حقوق الانسان. وطالب كيفن في نهاية مداخلته الحكومة البريطانية
بممارسة الضغط على حكومة البحرين لإحداث تغيير جذري في سياساتها تجاه حقوق الإنسان
.
المتحدث السادس هو الطبيب الاستشاري البحريني طه الدرازي، والذي عرض لأحداث
مجمع السلمانية الطبي، وقيام الأطباء والممرضين وأصحاب المهن الطبية الأخرى بواجبهم
في إسعاف ومعالجة الجرحى والمصابين من المواطنين وحتى الشرطة، واستمرارهم في القيام
بمهماتهم الاعتيادية مواصلين العمل ليلاً ونهاراً ومخاطرين بحياتهم كالمسعفين. وأوضح
ما تعرض له هؤلاء من انتقام ومحاكمات، استندت إلى اعترافات انتزعت بالإكراه وتحت التعذيب،
أو بناء على شهادات زور
.
الطبيب الدرازي تحدث عمّا تعرض له شخصياً أثناء قيامه بواجبه، من ترهيبٍ
بحضور رجال مقنّعين، ثم إحالته للتقاعد كرهاً
.
المتحدثة الأخيرة هي الصحافية نزيهة سعيد (مراسلة «فرنسا 24») حيث عرضت
ما تعرضت له من اعتقال وتعذيب، بسبب تغطيتها الإعلامية الموضوعية للحراك الشعبي في
14 فبراير 2011 وما بعده، وشهادتها على حوادث قتل عدد من الضحايا، وأكدت نزيهة أنها
لا تؤيد الحكومة ولا تؤيد المعارضة، بل هي صحافية تقوم بواجبها المهني بكل موضوعية،
وهو ما لا ترضى عنه الحكومة وأجهزتها، ولذا جرى اعتقالها وتعذيبها وانتزاع اعترافات
منها
.
وشرحت نزيهة سعيد صنوف التعذيب الذي تعرضت له مثل الضرب والجلد والتغطيس
في المرحاض وسبّها وشتم معتقداتها، وبينت أنها لم تكن تعرف مكان احتجازها إلا بعد ذلك.
كما استطاعت التعرف على معذبيها من خلال أصواتهم والتعرف عليهم في المحكمة، حيث رفعت
دعوى ضدهم، لكن المحكمة برّأتهم، وهو ما يأتي في سياق سياسة الإفلات من العقاب. ونوهت
إلى وجود معتقلين من الصحافيين يتعرضون للتعذيب، وتوجّهت بنداء لإطلاق سراحهم ومن بينهم
المصوّر أحمد حميدان
.
وقد عُرض في الندوة فيلمٌ وثائقي يبين قمع قوات الأمن للاحتجاجات السلمية
بطريقة وحشية، ومهاجمتها الأحياء باستخدام الغازات السامة ورصاص الشوزن وسياسة العقاب
الجماعي، مع عرض لضحايا التعذيب من الشهداء والأحياء
.
بعدها فتح باب الأسئلة والنقاش، والتي تمحورت حول أبعاد سياسة القمع في
البحرين وما يقابلها من سياسة بريطانيا المخاتلة لاعتبارات مصلحية بعيدة عن الأخلاق
والمثل الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتفاخر بها بريطانيا
.
هذا وقد قام الحقوقيون البحرينيون في بداية الندوة بتقديم باقة ورد للمناضل
الحقوقي البريطاني اللورد ايفبري لما يقوم به من عمل منذ عقود، في دعم قضية حقوق الإنسان
في البحرين وفي عدد من البلدان الأخرى، وتهنئته بتماثله للشفاء من مرضه. كما قام وفدٌ
من الحقوقيين البحرينيين بتقديم درع مرصد البحرين لحقوق الإنسان للورد ايفبري في احتفال
خاص في منزله في اليوم التالي
.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4333 - السبت 19 يوليو 2014م الموافق
21 رمضان 1435هـ
|