قاسم حسين -
ما هو دور الصحافة في المجتمع المعاصر؟ وما هو المطلوب منها؟ وهل من المنطقي أن نطالب الصحف بأن تخرج بمانشيت واحد، وافتتاحية واحدة، ورأي مقولب واحد، في زمن الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي؟
الصحافة تعبّر عن الثوابت الوطنية ونبذ العنف وتأكيد العمل السلمي، وتعبر عن قوى وتيارات اجتماعية مختلفة، وتعكس النسيج الوطني المتنوّع، فهل يمكن أن تتبنى رأياً واحداً في كل قضية قد تكون هناك اختلافات لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية؟ وهل هي ضريبة الوسطية والاستقلال بالرأي أن تتعرّض لحملات تجريح وتحريض متواصل من أطراف غير مستقلة، يقلقها أن تشبّ الصحافة عن الطوق فتنكشف مواقعها وأدوارها أمام الجمهور؟
بالمقابل، من يحاسب الصحافة التي تعيش على اختلاق الفتن؟ ومن يحاسب تلك الصحف التي تنشر بموجبه أخباراً وقضايا تحت شعار «بزنيس إز أ بزنيس»؟ ومن يحاسب الصحافيين الذين يتسلمون مكافآت شهرية من مؤسسات رسمية، يدافعون عنها ويزّينون سياساتها ويطبطبون على إخفاقاتها وما يجري وراء كواليسها؟
من يحاسب الصحف التي تخصّص صفحات يومياً للهجوم على شخصيات وفئات مجتمعية محددة وجمعيات سياسية أخرى، تؤمن بالمشاركة السياسية وتقف مع المشروع الإصلاحي وتؤمن بالقانون وتشارك في التجربة الديمقراطية... فتخصّص مقالات يومياً للهجوم على «الوفاق» و «وعد» وكل شخص وفئة يحقدون عليها ويذكرونها بالاسم؟ ألا تعرف الجهات الداعمة لها أن هذه السياسة إنّما تأتي بنتائج عكسية تماماً، فتحقن الشارع بالغضب وتعيد التفافه حول من يتعرّضون لهذه العدوانية الزائدة عن الحد؟
قبل شهرين أشرنا إلى هذه النقيصة، فخجل البعض من أنفسهم، فاكتفوا بمقال واحد في اليوم ضد هذا الطرف أو ذاك، ولكن سرعان ما نكصوا على رؤوسهم وعادوا بعد أسبوع إلى سيرتهم الأولى... خمسة مقالات بعناوين متشابهة وأفكار مستنسخة على طريقة الغش الجماعي في امتحانات المدارس، كأنهم اتفقوا عليها في جلسة بمقهى شعبي رخيص الخدمات. هل هذه هي الصحافة التي تريدونها؟
لسنا مع الحرق ولا إتلاف أيٍّ من الممتلكات العامة والخاصة، موقفنا واضحٌ ومعلنٌ ومنشورٌ، ولا يحتمل اللبس والتأويلات، وقد جرّ علينا هذا الموقف الوطني المستقل الكثير من العنت والاتهامات. فنحن من دعاة حماية المال العام، سواءً كان أرضاً أو ساحلاً أو مالاً سائلاً أو إشارةً ضوئيةً تتعرّض للتخريب، أيّاً كانت المبرّرات.
الصحافة التي تحترم نفسها لا تحقد على غيرها وتحرض على منافسيها بأساليب ملتوية، والصحافة المستقلة ليست طبلاً يردّد الصدى ويرجع صوت الضربات، وإنّما تبحث عن الحقيقة وتلتزم الصدق مع الجميع، مسئولين ومواطنين. والصحافة ترتكب خطأ كبيراً عندما تدخل على خطّ السب والشتم (وثم تتهم غيرها بهذه الأفعال) والنفخ والتهويل، ولكم عبرةٌ بما قامت به من أدوار بالغة السوء في العقود السابقة، كانت خلالها جزءاً من المشكلة بسبب «التحريض»، ولم تكن إطلاقاً جزءاً من الحل.
إن الحديث عن المبادئ والمهنية والأخلاق أصبح ضرورياً، فمن يعمل في مجال الصحافة تقع عليه مسئولية كبيرة في ترشيد الساحة بعيداً عن المزايدات.
|