منصور الجمري -
أصدرت منظمة الشفافية الدولية مؤشرها العالمي يوم أمس الأول عن العام 2010، ضمن مؤشر تنازلي من عشر نقاط؛ ليعطي صورة عن مدى الشفافية ومحاربة الفساد في دول العالم، إذ يتم تصنيف الدول بدرجات لمعرفة خلوها من الفساد والرشا والمحسوبية.
«الشفافية» لا تساوي الديمقراطية، وإنما هي مطلب أساسي للوصول إلى الحكم الصالح والديمقراطية، وهي تشبه وجبات المطاعم... إذ إن كل مطعم يجب أن يقدم وجبة طعام نظيفة من الأوساخ، ولا يمكن لأي مطعم أن يسمح له بممارسة نشاطه إذا ثبت أن الوجبات التي يقدمها ليست نظيفة. ولكن نظافة الوجبات من الأوساخ ليس دليلاً على أن الوجبة مفيدة غذائياً للشخص الذي يتناولها، وليس دليلاً على لذة الوجبة من عدمها. ولكن في كل الأحول، يجب أن تكون الوجبة نظيفة. ولذا، فقد تجد دولة متقدمة في الشفافية، ولكنها ليست ديمقراطية بالمعنى المتداول دولياً لمفهوم الديمقراطية.
ولكن الشفافية تحقق شيئاً آخر مع استمرارها، فهي تقلب السياسة رأساً على عقب بالنسبة إلى الدول غير الديمقراطية. فالدول الدكتاتورية تراقب المجتمع في كل شيء، تتجسس عليه، تستمع إلى المكالمات الهاتفية، وتحصي أنفاس المواطنين. في هذه الحالة الدكتاتورية، فإن المجتمع مكشوف للدولة، أي أنه شفاف، ولكن الدولة مغلقة ومعتمة، وبالتالي يمكنها أن تفعل ما تشاء بالمجتمع. ولكن «الشفافية» التي تتحدث عنها منظمة الشفافية الدولية تقلب المعادلة، إذ إنها تطلب من الدولة ومؤسساتها، ومن القطاعين العام والخاص، أن يكونوا شفافين ومكشوفين للمجتمع، بحيث يستطيع المجتمع أن يمارس رقابة على الدولة (بعكس الحال المعمول بها في الوضع الدكتاتوري).
الشفافية تعني الانفتاح وسهولة الاتصال وتدفق المعلومات وإمكانية المساءلة، و«الشفافية» تعبير مجازي لإمكانية رؤية المحتوى الموجود في كأس زجاجي، مثلاً. والشفافية في السياسة تعني إمكانية معرفة ما يقوم به الموظفون العموميون، ومدى إمكانية محاسبتهم مؤسسياً، وبرلمانياً، وصحافياً، ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني المستقلة، وأن تكون وسائل المساءلة فعالة وتستطيع الحد من ممارسات الفساد الإداري والمالي. ولذا فإن الحكومات المنفتحة سياسياً تسعى إلى توفير أكبر قدر ممكن من المعلومات الدقيقة والمفيدة عن الاجتماعات الحكومية، وعن الموازنات والبيانات المالية، وعن كيفية تطبيق القوانين والقواعد، وكيفية إصدار القرارات، للتأكد من عدم استغلال السلطات لإساءة المعاملة أو لتجيير النظام العام وتحويله لخدمة المصالح الخاصة.
الشفافية المطلوبة من الحكومة (بالنسبة إلى المواطنين) هي ذاتها الشفافية المطلوبة من المحاكم والقضاء، ومن الشركات (بالنسبة إلى المساهمين والعاملين)، وكلها تهدف إلى ضمان سلامة الإجراءات وتدفق المعلومات (من خلال الأطر الصحيحة) حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك
|